ادعمنا

النظرية الوظيفية - Functional theory

إن النظرية الوظيفية التي تعتبر احدى نظريات العلاقات الدولية تحتل مكانا مرموقا بين النظريات السوسيولوجية المعاصرة ولا نكاد نجد باحثا في علم الاجتماع إلا وظهرت في أعماله وتفسيراته ومنهجه خصائص الوظيفية، بل وإنها تعد من أوسع الاتجاهات انتشارا في دراسة الظواهر الاجتماعية والتي بدورها تقودنا لدراسة الملابسات السياسية المتعددة.

 

نشأة النظرية الوظيفية:

تمتد الجذور التاريخية للنظرية الوظيفية إلى آراء المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون واسهاماته الأدبية والفكرية في مجال علم الاجتماع والنظريات المنبثقة عنها، وتبعه ماكس فيبر (الدين والاقتصاد)، وايميل دوركايم (تقسيم العمل في المجتمع)، ووليام جراهام (طرق الشعوب)، في مؤلفاتهم المشهورة.

وفي العصر الحديث تشكلت النظرية الوظيفية في الاتجاه الآخر للمدرسة الحيوية في القرن الثامن عشر الميلادي وإلى المفكرين البارزين فولتير، هوبز وروسو الذين درسوا العلاقة بين متغيرين أو عاملين أحدهما مستقل ويعبر عن المدخلات أو المسببات والآخر تابع ويعبر عن المخرجات أو التأثير، وفي القرن التاسع عشر ميلادي استخدم مصطلح (وظيفي) نتيجة لظهور علماء من أمثال كونت وسبينسر، وكانا قد شبها المجتمع الإنساني بالكائن الحيواني من حيث أنه يجسد سبب الظاهرة ووظيفتها.

 

تعريف النظرية الوظيفية:

تعتبر الوظيفية من الاصطلاحات التي يكثر الجدل حولها في العلوم الاجتماعية، ويرجع ذلك إلى الاختلافات التي تنجم عن استخدامها في البيولوجيا، وكذلك تعدد معانيها يؤدي إلى الخلط واللبس، و في هذا السياق يذهب "نيقولا تيماشيف" إلى أنه من الصعب تحديد المقصود بهذا الاتجاه، وذلك يرجع حسب رأيه إلى أن مصطلح وظيفة، ووظيفي في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية، يتضمنان معان مختلفة ومتباعدة.

لذا فيمكننا صياغة تعريف شامل ومبسط نوعا ما يشمل كل مناحي النظرية الوظيفية، وهو أنه مهما كان نوع النظرية الوظيفية فهي نظرية تقوم على اعتبار مصطلح الوظيفة الأداة المفهوماتية الرئيسية لدراسة الأنظمة الاجتماعية، وهذا انطلاقا من الاعتماد على مسلمة مفادها أن كل نظام اجتماعي يتكون عن عناصر مترابطة فيما بينها ويرجع هذا الترابط إلى قيام كل منها بوظيفة، وقيامه بهذه الوظيفة مرتبط بقيام الآخرين بوظائفهم، وهذا ما يؤدي إلى تحقيق التكيف والاندماج، ومن هنا يتبين أن الوظيفة تستعمل من منظور المماثلة العضوية: وارتباط الأجزاء الكل والمنظور الرياضي: تناسب القيام بالوظيفة مع حاجة الكل.

 

مبادئ ومرتكزات النظرية الوظيفية:

1- تهدف الوظيفية إلى تجنب قضايا ومجالات النزاع لتركز على قضايا ومجالات التعاون، وتحاول خلق شبكة كثيفة من المصالح والاهتمامات المشتركة بين الدول وهو ما يؤدي في نهاية الأمر إلى إقامة مجتمع دولي مسالم وخال من الحروب عبر التعاون في المجالات الاقتصادية والمنفعية.

2- تقوم الوظيفية على منهج معاكس للمنهج الدستوري، إذ أن منطق التكامل لا يجب أن يكون فوقيا(دستوريا)، بل بالتركيز على التعامل مع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول.

3- ترى أن التعاون في مجالات السياسة الدنيا يتم من خلال اعطاء الخبراء والفنيين سلطة كافية وذلك بمنحهم الصلاحيات المطلقة في إعداد وتنفيذ السياسات في المجالات الدنيا، وهذه السياسات لا بد أن يكون لها مردود منفعي على قطاعات واسعة في الدول المعنية، كما أنها ستؤدي حتما إلى خلق تعاون في مجالات أخرى وفق مبدأ التعميم ramification أو الانتشار spill-over، وهكذا تصبح السلطة السياسية أسيرة شبكة من الأنساق المصلحية وتصبح الدول غارقة في التفاعلات التي تتسع مع الوقت، بحيث يصبح ثمن تعطيل الأطر الوظيفية الجديدة من قبل السلطة السياسية أمرا مكلفا جدا، وعليه فإن التركيز يتوجه إلى توفير الرفاه والرخاء الاقتصادي بدل الدخول في متاهات وصراعات السياسة العليا.

4- حسب الاتجاه الوظيفي، فإنه ليس ضروريا أن يحدث أي تغيير في البنية السياسية للدولة باتجاه انصهار سياسي، ولكن ما يحدث هو أن دور الدولة ومفهوم السيادة يفقدان قيمتهما العالمية، وتتحول هذه القيمة وهذا الدور إلى المنظمات الوظيفية المتخصصة، مثل الرجوع إلى منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي ...أي أن مفهوم السيادة يتغير.

5- على العكس من النظريات الدستورية التي تعتبر القرار السياسي هو المتغير المستقل في تحديد التكامل تنظر المدرسة الوظيفية بعين الحذر إلى القرار السياسي والمسائل المتعلقة بالسيادة فتعتبرها من المسائل الحساسة التي ينبغي تفاديها على الأقل في المراحل الأولى من التكامل حيث تحرص الدول والسلطات القائمة فيها بشدة على عدم التفريط فيها وتدعو غلى التركيز على التكامل في الميادين الفنية والاقتصادية والثقافية التي لا تتمتع بهذه الدرجة من الحساسية.

6- يرى الوظيفيون أن التكامل في مجالات السياسة الدنيا والذي يجب أن يكون له مردود منفعي على الجماهير في الدول المتكاملة سيكفل أن ترتبط الشعوب في الدول المختلفة بشبكة من المصالح المتبادلة والأنساق المشتركة ويفرض على القيادات السياسية في هذه الدول انتهاج سياسات رشيدة خالية من العنف ويدفعها إلى مزيد من التعاون بحيث يصبح تعطيل هذه المصالح بفعل أي توتر في العلاقات بين هذه الدول أو حرب باهظاً مما يقلل من إمكانات لجوء القيادة السياسية لهذا الفعل كما يكفل هذا النهج تعليم الجماهير عبر الدول المختلفة التعامل مع المشاكل التي تواجهها بطرق تجريبية ويصبح التركيز على توفير الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي بدلاً من الدخول في متاهات وصراعات السياسات العليا.

7- تعطي المدرسة الوظيفية دوراً هاماً لجماعات الضغط والجماعات الوسيطة التي تعبر عن مصالح الجماهير في التكامل وتستطيع فرض هذه المصالح على قياداتها.

 

نقد النظرية الوظيفية:

لقد تعرضت النظرية الوظيفية كغيرها من النظريات إلى العديد من الانتقادات التي تمثلت فيمايلي:

- فحسب "ارفنغ زايتلن" بالغت الوظيفية في وحدة وترابط الأنساق الاجتماعية واستقرارها وانسجامها، وكذا في اعتقادها بإيجابية كافة النظم والمؤسسات الاجتماعية.

- تفهم النظم الاجتماعية كنظم ضرورية لا غنى عنها، وما ينطوي عليه ذلك من تحيزات محافظة، أو ما يسمى بالتحيز الإيديولوجي، حيث وصفت بأنها نظرية الرأسمالية، أي توجه أيديولوجي تدافع عن الرأسمالية باعتبارها نظرية محافظة تدعو إلى الثبات لا التغير والتوازن دون الصراع والثورة.

- بالإضافة إلى إهمالها للصراع والتغير الاجتماعي، وتركيزها على التوازن والتكامل، فهي أحادية النظر.

- تجد الوظيفية صعوبة في التعامل مع الأحداث التاريخية وعمليات التغير الاجتماعي ( اتجاه لا تاريخي في دراسة الأنساق الاجتماعية).

- بالإضافة إلى التركيز على الطابع الستاتيكي وإهمال الصراع، فالكثير من التحليلات الوظيفية مبنية على مقولات ومفاهيم تنطوي على معان تدل على الاستقرار والثبات كالتوازن، التكامل، إدارة التوتر.

-كما انتقدت من حيث افتراضها بإمكانية اقتطاع أنشطة معينة من أنشطة الدول المتكاملة دون أن يتأثر ذلك بالقرارات السياسية التي قد تعوق التكامل الوظيفي نفسه أو أن يؤثر ذلك التكامل الوظيفي في السياسة العليا مما قد يهدد بإيقافه من جانب القيادات السياسية.

 

المصادر والمراجع:

بن حسان زينة، مطبـــــــوعة بيداغوجية في مقيـــاس: نظريات علم الاجتماع الحديثة، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية، جامعة 8 ماي 1945م، قالمة، 2020- 2021م

عبداللاوي حسين، النظرية الوظيفية في السوسويولوجيا الحديثة : من النظرية الوظيفية إلى النظريات الوظيفية، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله، 2019- 2020م 

علا زكي داود القاق، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية بعنوان: دور النظرية الوظيفية في تحليل سياسات جامعة الدول العربية خلال الفترة 1945- 2014، جامعة الشرق الاوسط، أيار 2015

المدرسة الوظيفية في الاندماج، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia